Saturday, June 24, 2006

قليل من الشعر

فَإِمّا أَن تَكونَ أَخي بِحَقٍّ فَأَعرِفَ مِنكَ غَثّي مِن سَميني
وَإِلّا فَاِطَّرِحني وَاِتَّخِذني عَـــدُوّاً أَتَّقيــــــكَ وَتَتَّقينـــــي


المثقَّب العبدي

عودة إلى التدوين

عودة إلى التدوين بعد فترة انقطاع قاربت الستة أشهر. لقد انشغلت برسالتي في الماجيستير طوال هذه الفترة ورغم أن ما مر بها من أحداث كان يستوجب المشاركة إلا أنني لم أشعر بحاجة ملحة للكتابة خصوصا وأن هدف هذه المدونة لا يندرج تحت متابعة الأحداث الجارية. لذا فضلت أن انتهي مما ورائي وأن أعود على مهل لاستكمال التدوين والكتابة. والحق أنني كنت قد وعدت القارئ باستكمال الحديث عن كتاب جان باول اليسوعي "لماذا أخشى أن أقول لك من أنا" في الغد إلا أن غدي لم يأت إلا اليوم. والآن هل لازال لدي الرغبة في استكمال ما بدأته من حديث عن التواصل والكتابة عن كتاب جان باول. الحق هو أن هذه الرغبة لازالت قائمة ولكنني اليوم سأقوم بعمل عرض لما اختبرته أنا شخصيا في هذه الفترة من نجاحات في التواصل ومن تفعيل وتجربة ما قرأته في هذا الإطار طوال الفترة الماضية.

لقد كان لدي يقين منذ فترة طويلة بأن نجاح الإنسان في هذا العالم ينبع من نجاحه في إقامة علاقات صحية مع أكبر قدر من الناس على تنوع اختلافاتهم الثقافية والاجتماعية والدينية والوطنية. كان لدي يقين حقيقي بأن كل شخص أتعرف عليه يزيدني معرفة بأمر ما أجهله ويتيح لي الإطلاع على تجربة فريدة حتى ولو تشابهت تفصيلها مع تجارب أخرى. ولذلك تجدني حريصا على معرفة واستطلاع أراء الناس من كافة المشارب في حدث ما أو حادثة هامة دارت في الفترة الماضية ويتساوي في هذا عندي رأي أستاذ الجامعة مع رأي ماسح الأحذية على أي مقهى من مقاهي وسط البلد الذي أدمن الجلوس عليها. لا فارق عندي بين هذا الرأي وذاك. ولا أحترم رأي أي منهما أكثر من الآخر ولكن كل ما أستطيع أن أقوم به هو معرفة الدوافع والخلفيات التي حدت بكلاهما لإصدار مثل هذا الرأي.
وفي هذا العام تعرفت على شخصيات عديدة ومتنوعة إضافة إلى ما لدي من كنز ثمين من أصدقاء. وما أود أن أشاركك به عزيزي القارئ اليوم هو أنني أفرق كثيرا بين الأصدقاء والمعارف ومن ألتقيهم لفترات طويلة. أنا لدي عدد قليل من الأصدقاء وهو ليس بالقليل مقارنة بمتعارف عليه في الصداقة. فربما يكون لديك صديق أو اثنين تستطيع أن تقول لهما ما لا تستطيع أن تقوله لأخيك أو لي من أفراد أسرتك. ولكن أنا لدي ما يزيد عن خمسة أصدقاء. وتعريفي للصديق هو : ذلك الشخص الذي يمكن ان تتعري أمامه معنويا دون أن تشعر بالخجل ودون أن تتلقى أي لوم أو توبيخ على فعل شائن قمت به. الصديق هو الذي يحتويك بكل ما فيك من عيوب ومحاسن. هو الذي يضمك حين تحتاج إلى صدر متفاهم حين تفتقد هذا الصدر. الصديق هو الذي تتعرف على نفسك من خلاله بأن تبوح له بأدق التفاصيل الشعورية التي تمور بداخلك فيتلاقاها بهدوء وإصغاء شديدين ويعطيك انطباعه، لا حكمه، عن هذه التفصيل. هو الذي يضع يديك على جوانب ذاتك الخفية دون نقد أو تقريع. هذا هو تعريفي للصديق. أما الأصحاب فهم أولئك الذين يعرفون الكثير عن تفاصيل حياتك اليومية مثل ارتباطك عاطفيا بهذا الإنسان أو هذه الإنسانة. مثل مكان عملك وطبيعته ورؤساءك. باختصار هم الذين يعرفون كل ما هو فوق السطح بكل ما في هذا السطح من تفاصيل حتى ليُخيل إليهم بأنك صديق حميم لهم لأنهم يعلمون عنك كل شئ، ولكنهم في الواقع لا يعلمون أي شئ. إنهم لا يعلمون أي شئ لأنهم لا يشاركونك عواطفك ومشاعرك حتى ولو عرفوا بعض التفاصيل عن علاقاتك العاطفية ولكنها تبقى تفاصيل السطح كما أسميها أو التفاصيل الخارجية. أما المعارف فهم أولئك الذين تلتقيهم على المقهى أو في إطار عملك ولا بأس ايضا من أن تعرفهم بنفسك وتعطيهم بعض التفاصيل التي يعرفها أصحابك ولكنها تبقى تفاصيل سريعة.

في الفترة الماضية اكتشفت أصدقاء جدد تشابهت ظروفنا كثيرا وتشابهت ظروف نشأتنا إلى حد مدهش حتى إننا عندما كنا نحكي عن طفولتنا فإنما كنا نحكي قصة واحدة برواة مختلفين. واكتشفت اهتماما رائعا من بعض الأصدقاء الذين يتقربون إلي حبا في صداقة وعلاقة وطيدة ولقد كان في هذا الأمر كثير من التشجيع لي على الاستمرار في دراستي. والحق هو أنني بعد انتهائي من الماجيستير وإرسالي للإهداء والشكر وبعض صور التخرج لمجموعة من الأصدقاء والأصحاب والمعارف جاءتني ردود أحسب أنها كانت دليلا هاما لي بأنني لم أنجح فقط في الحصول على الماجيستير ولكنني نجحت أيضا في تكوين علاقات صحية وحميمة ورائعة مع الكثير من الناس وكان هذا دافعا جديدا لي على الاستمرار والتواصل وكان هذا دافعا ايضا لي على معاودة الكتابة. فلتنتظرني وليكن لنا لقاء جديد.