Saturday, September 03, 2005

مختارات من رواية مزاج


وإذا استغربت أنا نفسي من رؤيته يضيع ربع ساعة مع شخص مزعج قابله في الشارع، أجابني:
- إنه مزاجي..
كل شئ قد قيل في ذلك التعبير المصري، الذي كثيرا ما سمعناه في طفولتنا، والذي كان يعني كل شئ في الآن ذاته: إنه طبعي، إنه ميلي، إنه سروري، إنه ذوقي. ذوقي أنا. كلمة "مزاج" تعني شيئا شديد الخصوصية، ليس بحاجة لتفسير ولا لإذن من أحد. إنه نزوة، تفضيل، حرية ممارسة.
في المزاج فكرة الانطلاقة والبهجة، الغبطة التي يمكن أن تنطبق على أكثر المتع تفاهة: كرشف شراب اللوز على مهل بعد القيلولة، أو النزهة على كورنيش الإسكندرية وقت المغيب، أو ببساطة، الجلوس على الشرفة حوالي الحادية عشرة ليلا في شهر حزيران، حين تجعل النسيمات العليلة في هليوبوليس قلبك يغور سعادة


إذا كان البعض يعجبون بأنفسهم وهم يتكلمون، فإنه هو يكرس نفسه لمن يستمع إليه، يضع روحه وكل كيانه في كلماته، ويظل صوته مع ذلك خفيضا رفيقا.

كان يتسكع كالمتنزهين، متوقفا لأوهى سبب كي يتفرج على واجهة متجر، أو ليدردش مع شخص مجهول في ذلك المطعم الصغير، وفي حين كنا نفرغ أطباقنا بسرعة، كان هو يتلذذ بكل لقمة من طعامه وبكل جرعة من شرابه. كان يوحي بأن أمامه الدهر كله.

لقد كان ب.ب. يفعل ما يرغب به ويروق له. رأيته أكثر مكن مرة يسعى على يديه ورجليه لمساعدة امرأة جميله، أو على العكس يصرف شخصا لجوجا لم يعجبه شكله. لم يكن يصلي في جب الأسود أو يمسح جروح المجزومين. لم يكن شهيدا، ولا متصوفا، ولا راهبا يعيش على الصدقات: لا، أبدا، كانت التضحية غريبة عن طباعه، بقدر ما كان تعذيب النفس.

الخدمة مثل الهدية، لا يترك المرء سعرها عليها.

جرحى الطرق ينبغي أن نتحدث إليهم، أما جرحى الحياة فيجب أن نتركهم يتحدثون.

لاحظت بأنه، حين يتلقى شكرا من أحد، لم يكن أبدا يجيب بقوله: "أرجوك" أو "العفو" أو "لا شئ يستحق الشكر"، بل يقول: "إنه من دواعي سروري". وفي اليوم الذي فهمت فيه بأن الأمر ليس صيغة مجاملة، بدا لي كل شئ أكثر وضوحا.


- ليس هناك شئ مجاني، أيها الاقتصادي ..
- أنت مع ذلك، يا باصيل، حين تقدم خدمة ...
- نعم، وماذا بعد؟ الأمر دائما بدافع المصلحة.
- المصلحة؟ صحت غير مصدق
- المتعة، إذا كنت تفضل.


العرفان، كان يقول، يعدل المكافآت كلها.